هجرة المثقفين المغاربة بين الماضي و الحاضر

A la página principal

Volver a la página anterior


إعداد: رشيد بوطربوش مدخل:

 لا يجادل أحد في كون الهجرة الجغرافية ظاهرة كونية لا تتعلق ببلد دون غيره، بل شهد عصرنا موجات متعددة للهجرة: من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أوربا إلى أمريكا وكندا وأستراليا، ومن إفريقيا إلى أوربا، ومن البلقان وأوربا الشرقية  إلى  أوربا الغربية. ومن الدول العربية الفقيرة إلى دول الخليج1، ومن القارة الهندية إليها أيضا. وهكذا يبدو العالم في حركة دائمة في اتجاهات شتى بفعل عوامل سياسية و اجتماعية و اقتصادية...

1- هجرة الكفاءات المغربية في التاريخ :

إن المغرب الذي يطل على بحرين عرفا مخاضا ويتجاذبا بين حضارات تبادلت السيطرة على مياهه وموانئه، وتصارعت على اقتسام ثرواته وعوائده. إضافة إلى حدوده الممتدة جنوبا وشرقا مع دول إفريقية لها تاريخ حافل بالأمجاد، متميز إلى حد بعيد في ثقافته عما تعرفه الدول المطلة على المتوسط من جهة الشمال   عرف موجات كثيفة من الهجرات إليه ومنه.

فقد استقر فيه الأندلسيون المطرودون من قبل محاكم التفتيش مسلمين و يهودا، وهاجر إليه الوندال والفينيقيون تشهد آثارهم ومدنهم على ذلك. وإليه رحل البربر الأمازيغ من اليمن وكنعان ومصر. واستقر به الأوربيون البيض  الدين جلبوا بواسطة الجهاد البحري. ورحل إليه الزنوج الأفارقة وعملوا في جيوش كبار ملوك العلويين كالملك إسماعيل صاحب حاضرة مكناس الذي سمي جيشه في التاريخ بعبيد البخاري. ورحل من المغرب نحو المشرق وأوربا المسيحية طلاب علم وتجار ومتصوفة، طالت مدة بقائهم أحيانا حتى أدركت بعضهم الوفاة في بلاد المهجر، وقصرت أحايين أخرى. وكان الفعل المحرك لأغلبها حسب الدراسات الموجودة في الموضوع عوامل ذاتية، ومبادرات شخصية2. إن حالة المهدي بن تومرت (524 هـ) الذي مكث مهاجرا بلده المغرب أزيد من خمس عشرة سنة هي حالة نادرة جدا، وأندر منها حالة الجغرافي المؤرخ الشريف الإدريسي (560 هـ) وإلا فالحال شاهدة على أن المهاجرين كانوا يتأخرون في العودة إلى الوطن الأم بضع سنين تمليها تباعد مسافات هجرتهم كما سبق التنويه: طلب العلم والسلوك والحج والمجاورة، وقليلون أولئك الذين لم يعودوا بعد هجرتهم حيث كان سبب انتقالهم هروبا من متربص أو خصم سياسي كأبي الحسن الشاذلي(658هـ)، وأبي الحسن الحرالي المراكشي(638هـ).

أ_ هجرة المفكرين المغاربة و الاعتبارات الدينية:

إن طبيعة الثقافة الإسلامية تشجع على الهجرة بالضرورة. فلولاها لما قامت الدولة الإسلامية النبوية الأولى، ولولاها لما نجا المسلمون  من أذى قريش حيث رحلوا إلى الحبشة، بل لولاها لما عرفت  الحبشة الإسلام إلا في زمن متأخر جدا. ورغم أن فتح مكة أنهى الهجرة الجغرافية من أرض العرب إلى المدينة  المنورة. كما في صحيح البخاري:(لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية). ولكن الحديث الثاني  في صحيح مسلم يؤكد أن: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها). فهجرة أرض الكفر إلى دار الإسلام، والمجاورة ببيت الله الحرام، والهجرة لطلب العلم  والفتح و المرابطة والمثاغرة. كانت تعد في مذهب المغاربة المالكي أمرا واجبا على كل مستطيع دون المستضعفين، من ذكر وأنثى، وكبير وصغير إذا استولى العدو على أرض المسلمين، وأضحت دار كفر بعد أن كانت دار إسلام3.

إن طلب العلم الشرعي كان سببا قويا دعا إلى هجرة كفاءات كبرى تبغي الاستزادة والرياسة العلمية في المجامع العظمى كالقاهرة و الشام و بغداد. فالسماع و لقاء الأعلام، و البحث عن عوالي الأسانيد رواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و دراية لما جاء به، و التفرد ببعض النقول و المرويات هو الذي جعل خطوط التنقل عامرة بأهل العلم  و النظر. كخط سبتة إلى الإسكندرية بحرا، أو مراكش و فاس إلى الإسكندرية برا، عبورا لتلمسان و بجاية و تونس و طرابلس ثم  القاهرة فالحرمين الشريفين. و جرت عادة المغاربة منذ القديم على زيارة القدس الشريف، حيث يعرف هذا المنسك بالتقديس. و قلما وجدنا علماء مغاربة رحلوا في غير هذا الخط كبلاد العجم و ما وراء النهر و الهند و الصين.4 و تعد حالة الرحالة ابن بطوطة الطنجي المغربي الذي طاف الهند و الصين نادرة جدا في تاريخ الهجرات المغربية. و ليس غريبا أن تنتح هجرات كهذه حالات تولى فيها مغاربة مناصب علمية راقية في كثير من بلاد المسلمين كأبي الخطاب بن دحية(633 ه) في القاهرة، أو مناصب قضائية و دينية، من إمامة و خطابة و وعظ و أحيانا سياسية و سفارية، مثلما وقع لابن بطوطة الطنجي. خاصة و أن المدارس و الزوايا الصوفية و الجامع كانت دائما مستعدة لاستقبال المهاجرين و إيوائهم، و الأوقاف مستعدة للإنفاق عليهم و تشغيلهم، و هذا وصف لظروف استقرار المغاربة من أهل العلم في دمشق: و أهل دمشق يتنافسون في عمارة المساجد و الزوايا و المدارس و المشاهد. و هم يحسنون الظن بالمغاربة و يطمئنون إليهم بالأموال و الأهلين و الأولاد. و كل من انقطع بجهة من جهات دمشق، لابد أن يتأتى له وجه من المعاش من إمامة مسجد أو قراءة بمدرسة، أو ملازمة مسجد يجيء إليه فيه رزقه، أو قراءة القرآن أو خدمة مشهد من المشاهد المباركة. أو يكون كجملة الصوفية بالخوانق، تجرى له النفقة و الكسوة و من أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة، وجد الإعانة التامة على ذلك.5 إن اقتران طلب العلم بالرحلة مقرر في الثقافة الإسلامية و مؤكد عليه. حتى ذم أهل العلم من لم يرحل و من لم  يكن له شيخ يتأدب عليه،و رغم أن حواضر المغرب عرفت كما هائلا من المشايخ و أهل الفتيا إلا أن النقص كان حادا في أهل الحديث السبب الذي دفع بكثيرين إلى الهجرة طلبا لروايته و حفظه كما قال السخاوي(902 ه): و أما بجاية و تلمسان و فاس و مراكش و غالب مدائن المغرب فالحديث بها قليل، و بها المسائل و فيه بقية من علم.6

ب-أثر المفكرين المغاربة في المهجر: 

إن هجرة العقول المغربية قديما نحو المشرق خاصة، كانت بمثابة حج علمي، و مولد جديد في منطقة عرفت بزوغ نور النبوة، و إشراقة وحي الله عز و جل خاصة و أن المغاربة عانوا كثيرا من عقدة الدونية، و ترددت على أسماعهم كثيرا مقولات من قبيل: لولا القاضي عياض لما ذكر المغرب، و أسطورة الطائر الكوني التي ذكرها عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي: صورة الدنيا على خمسة أجزاء كرأس الطائر و الجناحين و الصدر و الذنب و صدر الدنيا مكة و الحجاز و الشام و العراق و مصر، و الذنب من ذات الحمام إلى المغرب، و شر ما في الطير الذنب.7  هذه الأسطورة التي رددها ابن خلكان (681 ه)8. ولدت شعورا بالهيمنة الثقافية لدى المغاربة دفعهم لطلب الرياسة العلمية في عقر دار المشرقيين، و بدا ذلك جليا في كلام من ظهر منهم على أقرانه كقول التاودي بن سودة(1209 ه) بعد أن اجتاز الامتحان العسير الذي تعرض له من قبل علماء مصر، و درس بالجامع الأزهر و أفتى، قال:

   بالجامع الأزهر أفتيت معتليا                         قد أحدقت بي من شام و من يمن

   مع أهل مصر ومن أرض الحجاز ومن               أهل الحجاز و الأتراك مع عدن

   كل المذاهب في آلاء قد جمعت                      أملي عليها من الآثار و السنن

   ما يعلم الكل منهم أهل مذهبه                      وما به من أقاويل الرسول عن

   مهذبا و محررا فما عالم                               إلا رنا  و دنا و خر للذقن

   مستسلما شاكرا و منشدا قائلا                    هذي المكارم لا قعبان من لبن9

و لم يجد علماء المغرب مناصا من التخلص من أسطورة الطائر الكوني إلا أن يحولوها إلى نادرة مضحكة و يتخلصوا من إحراجها بذكاء و فطنة: حكى البرنسي في كتاب المغرب له عن الجرجاني، وزير الظاهر لإعزاز دين الله، أحد ملوك العبيديين، أن الظاهر قال لوزيره: إني أريد أن أسمع كلام المغاربة. فقال له: هنا شيخ يعرف بأبي مسلم الدقي. فقال له: أسمعني كلامه. فجلس الظاهر خلف حجاب، و أحضر وزراء دولته، و وجه عن الدقي. فلما وصل ، سلم و قعد وتكلم معه بأشياء أضحكه بها، إلى أن قال له الوزير: بلغنا أن الدنيا شبهت بطائر، فالمشرق رأسه، و اليمن جناحه الواحد، والشام جناحه الآخر، والمغرب ذنبه. فقال له أبو مسلم: صدقوا، والطائر طاووس. فضحك الظاهر و قال : حسبه، وانصرف.

إلا أن النموذج المعبر بحق عن هجرة الأدمغة المغربية قديما إلى أراضي النور، هو الشريف الإدريسي الجغرافي المعروف الذي يعبر شعرا عن دونية المغرب و صدارة الشرق بقوله شعرا:

   إن عيبا على المشارق أن أر          جع عنها إلى ذيول المغارب

   و عجيب يضيع فيها غريب         بعدما جاء فكره بالغرائب

  و يقاسي الظما خلال أناس         قسموا بينهم هدايا السحائب10  

إن تعجب الإدريسي من فعل أهل المشرق به و إحساسه بالظمأ و هو الذي جاء بالعجائب و الغرائب، حدا به إلى شد الرحال نحو أرض العجم و الإقامة بين ظهرانيهم، و هي حالة غريبة في ذلك الزمان الذي كان يحرم أهله الإقامة بين ظهراني الكافرين، و كانوا الدنيا إلى دار حرب و دار إسلام. قال عنه الصفدي:(مؤلف كتاب رجار، و هو ّنزهة المشتاق في اختراق الآفاقّ. نشأ محمد هذا في أصحاب رجار الفرنجي صاحب صقلية. و كان أديبا ظريفا شاعرا مغرى بعلم الجغرافيا. صنف لرجار الكتاب المذكور)11.و لا يعرف على وجه التحديد السبب الذي جعل محمدا الشريف الإدريسي السبتي يترك الإقامة بدار الإسلام مشرقها و مغربها، و يقيم في صقلية و هو المالكي الذي حرم مذهبه تحريما قطعيا اللحاق بأهل الكفر و الإقامة معهم، بمملكة النور منديين و الزمن زمن حروب صليبية. و لكن أبياته السالفة تشير إلى نظريته الدونية للمغرب، و سخطه على أهل المشرق، زيادة على ما  توفر من معلومات عن إكرام ملك صقلية رجار الثاني له، و ما وفر له من إمكانيات علمية و بحثية هائلة من خزانة و أموال و خبراء و أدلاء لإنجاز مشروعه الجغرافي العظيم المتمثل في خريطته و كتبه، هو ما جعله يفضل الإقامة بصقلية. زيادة على ما يبدو أنه لم يكن من أهل الفقه و الفتيا بحيث يراعي لقضية الإقامة بأرض الكفر كثيرا. و استفاد رجار الثاني ملك صقلية النور مندي، استفادة كبرى مما وضعه له الإدريسي من كتب و خرائط. حيث لخص له علم الأولين و نقح ما فيه، و هذب معانيه و معلوماته ككتاب العجائب للمسعودي، و كتاب أبي نصر سعيد الجيهاني. و كانت نتيجة هذا الجهد العلمي الدقيق إصدار الإدريسي السبتي باسم الملك رجار في صقلية كتاب ّنزهة المشتاق في اختراق الآفاقّ و مختصره ّروض الأنس و نزهة النفسّ، و كتاب ّالجامع لأشتات النباتّ. كما وضع الإدريسي في صقلية خريطته المشهورة التي انتفعت بها الدولة النور مندية المتطلعة إلى السيطرة على شمال إفريقيا بعد أن استولت بعض غريماتها الأوربيات على بلاد الشام.

وعاش الإدريسي عيشة مرفهة في بلاط رجار الثاني ، محاطا بالرعاية والعناية، مجاب الطلب، مرعي الجانب، مستفيدا من الإمكانات الموضوعة تحت تصرفه لمزاولة أبحاثه العلمية، حتى مات رجار الثاني سنة 548ه،1154م. فتغيرت أحوال الجزيرة بعده، وتغير حال صاحبنا معها. وعاد الإدريسي بعد ذلك لينشد شعرا أليما يشكو فيه غربته، ويقول:

   ليت شعري أين قبــــري                 ضاع في الغربة عمري

   لم أدع للعين ما تشتــــا                    ق، في بر وبـحـر

 

2_واقع هجرة الكفاءات العلمية في مغرب اليوم:

أ_هجرة الأدمغة المغربية بالأرقام:

  عمل المستعمر الفرنسي إبان إقامته بالمغرب على سوق آلاف المغاربة لاستغلالهم في الأشغال اليدوية العصيبة، ودفعهم للمشاركة في إعادة إعمار فرنسا التي خربتها الآلة الحربية إبان الحرب العالمية الثانية. ولم تتورع فرنسا عن استخدام كافة وسائل الترغيب والترهيب والسخرة الإجبارية لنقل المغاربة كي يعيشوا في ظروف صعبة، لا من حيث الشروط الأساسية للاستقرار، ولا من جهة التغطية الصحية وغير ذلك. وبعد الاستقلال السياسي للمغرب، ومرور فترة وجيزة منه انهارت آمال كثير من المغاربة  التي علقت على تحسين وضع البلد والنهوض به. حيث عرفت التنمية تراجعا شاملا، وارتفعت معدلات البطالة، وتوالت سنوات الجفاف، ودخل المغرب في نفق صراع مظلم مع جيرانه حول قضية الصحراء. وما نتج عن ذلك من زحف نحو المدن، وانتشار أحزمة الفقر والتهميش حولها.12 كل ذلك أدى إلى حدوث موجات متتالية من المهاجرين نحو الفردوس الأوربي في زمن كانت فيه الحواجز مخففة والتأشيرة ميسرة، و سوق الشغل في العالم الأوربي مهيأ لاستقبال المزيد، زيادة إلى تطور أشكال الاستقرار واستفادة المهاجرين من الحقوق الاجتماعية التي نصت عليها القوانين الأوربية. لكن الظاهرة الخطيرة التي بدأت تطل برأسها مؤخرا تتمثل في تطور نوعي للمهاجرين، الذين أضحى معظمهم من حملة الشهادات العليا، ومن الأطر المتخصصة في المعلوميات على وجه الخصوص. و قد دق أول ناقوس للخطر في هذا الاتجاه على يد المفكر المغربي العالمي الدكتور المهدي المنجرة في أواخر عقد الستينات من هذا القرن. وبالتحديد سنة1968 م عندما أثار القضية وهو يوم ذاك نائب المدير العام لليونسكو في العلوم الاجتماعية والثقافية، وشارك في الدراسة التي قام بها معهد الأمم المتحدة للتكوين و البحثunitar حول ظاهرة هجرة الأدمغة، وكانت هذه الظاهرة موجهة أساسا نحو آثار هذه الهجرة على اقتصاديات دول المورد. وذكر عالم المستقبليات المهدي المنجرة على سبيل التمثيل لا الحصر أن أكثر من 700  باحث مغربي في مستوى الدكتوراه فما فوق يعملون في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، هذا مع العلم أن هؤلاء الخبراء كلف تكوين كل واحد منهم بالمغرب حوالي مليون 13درهم. وثمة إحصاءات غير نهائية تكشف بالملموس المدى الذي وصل إليه نزيف الأدمغة بالمغرب تشكل صدمة كبرى للمتتبعين للشأن المغربي كشف عنها حديثا، تبين أن فوج سنة 2000 من خريجي المعهد الوطني للبريد والمواصلاتinpt غادر أكثر من 60% منهم المغرب، وهناك آخرون منهم يستعدون للحاق بزملائهم، وخريجو المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم ensias كذلك على نهج زملائهم، كما أن هناك إحصاءات تشير إلى مغادرة 200 مهندس أسبوعيا نحو العالم الغربي، مما يشير إلى أن المغرب ربما يكون قد فقد أكثر من نصف خبرائه مع نهاية سنة 2000.

وتؤكد إحصائيات نشرتها جريدة economiste   أن القطاعات المغربية المنتجة تعاني خصاصا في الأطر، في نفس الوقت الذي نرى فيه الكفاءات المغربية تهاجر في جماعات إلى أوربا و أمريكا الشمالية. وتؤكد هذه الإحصائيات أن النظام التعليمي المغربي يخرج كل سنة نسبة من المهندسين لا تتعدى مئتي فرد، وأن حاجيات المقاولات المغربية تقدر ب800 إلى حدود2005 وهو ما يؤكد أن مدارس المهندسين المغربية تجد صعوبة في تغطية الحاجيات الداخلية، فكيف بها الآن ودول العالم المتقدم تتلقف خريجيها قبل حصولهم حتى على الشواهد. و ندوة نظمتها جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية apedi  يوم 24-11-2000 بالمدرسة المحمدية للمهندسين حول موضوع: نغادر أو نبقىou partir rester  كشف استطلاع للرأي داخل القاعة التي ضمت طلبة مهندسين على أبواب التخرج. كشف هذا الاستطلاع أن 80% من الطلبة المهندسين عبروا عن رغبتهم في الهجرة مباشرة بعد حصولهم على شهاداتهم.

وإذا علمنا أن حاجة أوربا في مجال المعلوميات تقدر بمليون ومئتي ألف مهندس خلال الخمس سنوات المقبلة. وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام واحد فقط بلغت 750ألف مهندس مع التسهيلات المعروفة علمنا سبب هذه الهجرة من بلادنا   والعالم الثالث نحو الغرب.14

ب_ دوافع نزيف الهجرة و مسبباته:

تتعدد أسباب مغادرة نخبة المجتمع المغربي أرض الوطن نحو المهجر، فهناك إجماع من طرف الفاعلين والمتتبعين لهذه الظاهرة على أن ظروف العمل بالمغرب لا تشجع الطاقات على الإبداع، بل تمنع نشاطها وتحد من مبادراتها، زيادة على استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية، وغياب التأطير والتوجيه، وضعف الحوافز           والتشجيعات المادية، فخريج معهد الأطر العليا بالمغرب حين يلتحق بعمله بمدينة كالدار البيضاء مثلا، فإن أول ما يصطدم به هو غلاء تكلفة السكن، إضافة إلى النقل، كما أن الأجر السنوي المقدر ب120  ألف درهم الذي تمنحه المقاولات المغربية لمهندس معلوماتي حديث التخرج لا يمكن مقارنته مطلقا مع ما يتلقاه نفس الإطار بفرنسا و المقر ب200 ألف فرنك فرنسي(300 ألف درهم)، هذا عدا امتيازات السكن والنقل والتغطية الصحية.15 وقد عبر عن هذه الهموم كثير من الأطر المغربية في ندوة عقدت مؤخرا، منها:

·      يرجع  الأستاذ محمد الشاوي رئيس جمعية مهندسي المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات و تحليل النظم أسباب الهجرة إلى ّ عدم استجابة ظروف العمل في ميدان تكنولوجيا الإعلاميات لتطلعات الشباب حاملي الدبلومات في هذا القطاع، إذ ينتظرون ويطمحون إلى العمل في محيط يعينهم على الإبداع التكنولوجي إلا أن الظروف في المغرب ليست كذلك حيث العمل بوسائل متجاوزة وضمن بنيات سيئة التنظيم.ّ

·      أما الأستاذ محمد بنشعبون مدير قسم النظم الإعلامية بالبنك الشعبي المركزي فيقرر:ّ أن الأجور المعروضة على أدمغتنا في الخارج تضاعف الأجور المفروضة عليهم في المغرب بمعدل يصل إلى ضعفين و نصف، وهذا ما يجعل أطرنا تحلم بالعيش في أوربا حيث الظروف المشجعة والمغرية، ليس فقط على مستوى الأجور والتعويضات، ولكن أيضا على مستوى محيط العمل الذي يعتبر في أوربا أكثر تشجيعا وتكوينا بالنظر إلى أهمية المشاريع، واستعمال آخر التكنولوجيات، بالإضافة إلى جودة التأطير.ّ

·      و يعبر الأستاذ عبد الرحمن الفولاذي و هو أستاذ جامعي مقيم بكندا عن نفس هذه الهموم بصيغة أخرى فيقول:ّ لا يجب أن ننسى أن الخبراء المغاربة لا يجدون في بلدهم مناصب توافق تكوينهم، وليس هناك استثمار في الميادين التكنولوجية التي هي محتاجة إلى تخصصات وخبرات هؤلاء الخبراء.ّ

·      وهذه الأسباب جميعها يلخصها في مستويات ثلاثة الأستاذ خالد الحريري رئيس جمعية مهنيي التقنيات الإعلامية، بقوله:

ّهذه الأسباب تتوزع على ثلاثة مستويات:

_ المستوى المادي: أي كل ما له علاقة بنظام الأجور والتعويضات في علاقته بمستوى العيش في المغرب.

_ المستوى الثاني: وهو مستوى العلاقات في محيط العمل، إذ يجد المهندس أو الإطار نفسه محاصرا بالتعليمات والخطوط الحمراء وربما بسوء المعاملة أيضا.

_ المستوى الثالث: و له علاقة بالمحيط المجتمعي ككل، حيث فقد الشباب المغربي كل أمل في تغيير أوضاع البلد، ولم تعد لهم أدنى ثقة في مسيريه. خاصة في مجال الحريات  والمساواة في الفرص والإمتيازات.16

ج_ كيف تتدارك الكارثة ويتوقف النزيف؟

ليس هناك مجال للشك في أن هجرة الأدمغة إلى الخارج من أعظم مهددات مستقبل أقطارنا العربية، ومن أسباب بقائنا متخلفين كأمة ومجتمع. و تزداد الحسرة إذا علمنا كم الإنفاق الهائل الذي تتكبده خزانات بلداننا لتخريج إطار متخصص. ّ فتكوين مهندس في مؤسسات تكوين الأطر في المغرب يتطلب سنويا مبالغ مالية تتراوح بين مئة ألف درهم وثلاثمئة درهم حسب الاختصاصات وحسب المعاهد العليا. هذا زيادة على المجهود الذي تقوم به الدولة و الأسرة والمجتمع.ّ17

لذا يجب التفكير في التدابير التي ينبغي أن تتخذ والكفيلة بالحد من هذا النزيف، وتيسير بقاء الأطر المغربية في وطنها لخدمته والنهوض به، وهذه بعض التدابير الوقائية التي توصل إليها جمع من الأطر المغربية في ندوة عقدوها مؤخرا :

_ الرفع من عدد الخريجين بما يستجيب للطلب المحلي والعالمي ويحقق مطالبنا في النهوض التكنولوجي. حيث يكون المغرب حاليا ما بين 200 و240 مهندسا كل سنة. فيما تكون مدارسنا العليا مجتمعة حوالي 2000 إطارا كل سنة. وعلينا لتدارك النقص والخلل السعي لتكوين ما لا يقل عن 10000 إطار كل سنة. فيهم ألفا مهندس.

_ اعتماد تكوين تحويلي و تكميلي بإخضاع متخرجين من تخصصات تعاني الوفرة أو البطالة لتكوين يؤهلهم لسد الخصاص في مجالات التكنولوجيا المتطورة.

_ تشجيع مؤسسات القطاع الخاص.

_ مراجعة نظام الأجور والحوافز وتمكين الأطر المغربية من توطين التكنولوجيا الحديثة داخل المؤسسات الوطنية.

_ خلق قنوات للشراكة والمبادلة بين الشركات الوطنية والأجنبية.

_ إعادة النظر في ظروف العمل داخل البلد حتى تكون مقنعة وجذابة للأطر المغربية، وتوفير أجواء الحرية والعيش الكريم.

_ تشجيع الخبرات الوطنية التي تستثمر بالخارج أو تحتل مواقع راقية على خدمة وطنها الأصلي استثمارا وتوطينا للتكنولوجيا.

_ الاستفادة من الخبرات المهاجرة بخلق صيغ للتواصل معها: مؤتمرات، جمعيات بحث مشتركة بين الداخل والخارج، شبكات اتصال إلكترونية

هذه نظرة قاصرة في واقع الأدمغة المهاجرة ربما سلطت بعض الضوء على حقيقتها.

 



1 الهجرة و التنمية في أقطار الوطن العربي. د . نادر فرجاني. ص 137

2 هجرة المغاربة إلى الخارج، جعفر بن الحاج السلمي.

3 رحلة ابن بطوطة(770ه)- دار الفكر، دار التراث،1968م

4 تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى لمحمد عبد الرحيم غنيمة.

5 الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة.

6 مفاخر البربر لمؤلف مجهول(712ه)

7 المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية(633ه)

8 مقدمة ابن خلدون(808ه)

9 المهدي بن تومرت، لعبد المجيد النجار.

10 نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي.

11 الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي.

12 المغرب بين الهجرة و تهجير الأدمغة للسعيد الحسن.

13 انظر الحرب الحضارية الأولى للمهدي المنجرة.

14 هجرة الأدمغة المغربية إلى الخارج، متى يتوقف النزيف_ التجديد، ع 140. 27 يناير2001.

15 الأحداث المغربية_27_1_2001.

16 هجرة الأدمغة المغربية إلى الخارج، التجديد، ع 140_27يناير 2001.

17 نفسه ص 7.

Volver a la página principal